إسمهان. ح
الاتهامات الخطيرة التي وجهها وزير الداخلية نور الدين بدوي لكل من رجال الإعلام والسياسيين ومواقع التواصل الاجتماعي بالتحريض والتشجيع على ظاهرة “الحرقة”، تنذر بواقع ووضع رهيب في طريقة علاج المشاكل الاجتماعية بالجزائر. فلم يكتفي الوزير بإطلاق هذه الاتهامات بل تمادى إلى أبعد من ذلك برسمه صورة خيالية عن جمهورية فاضلة توفر لمواطنيها الظروف الجيدة للعيش الكريم، وبأن شباب هذه الجمهورية لا يريدون البقاء فيها.
ثم إن تركيز الدولة على ظاهرة “الحرقة” ليس سوى ذر للرماد في العيون ولف ودوران حول مشكلة حقيقية وليست ظاهرة لأنها لم تظهر اليوم فقط، وهو “الهجرة”. لن نقول “الهجرة غير الشرعية”، لأن المشكلة التي نقف أمامها غير متعلقة بطريقة مغادرة الوطن فمن اختاروا المغادرة طواعية من المثقفين والعلماء وحتى الوزراء والمسؤولين السابقين، جميعهم، هربوا من ظروف وأوضاع غير مواتية للعيش ومن حقرة وتهميش. إذن كيف لمعاليه أن يكذب علينا وعلى نفسه ويقول إن الدولة قد وفرت جميع الظروف الاقتصادية والاجتماعية لاحتواء ظاهرة “الحرقة”.
سيدي الوزير، أظن أنه أصبح من الواجب أن نصحح لديك بعض المصطلحات فـ “الحرقة” هي الطريقة التي يهجر بها أرض الوطن أبنائه من الفقراء والزاوالية الذين ليس بإمكانهم الحصول على “الفيزا”، فيتخذون من القوارب سبيلا للفرار عكس المسؤولين والفنانين الذين تفرش لهم سلالم الطائرات ورودا وسجادات حمراء.
سيدي الوزير، من هجروا الجزائر، هربوا من ظروف حياة لا تليق ولا تطاق. فإن قلت أنه قد تم توفير مناصب عمل، اسأل عن نسبة البطالة وعن العدد الحقيقي للبطالين، وإن قلت تم توفير السكن، لماذا نرى المشردين في الشوارع والطرقات وانتشر منازل القصدير والأحياء الفوضوية عبر تراب الوطن؟ وإن قلت حسنا التكفل الصحي، لماذا يبيع المرضى منازلهم ويشحدون المساعدات للعلاج بالخارج. ولماذا يعالج المسؤولون أنفسهم بالخارج؟ لماذا ولماذا ولماذا؟ … من فضلك سيدي الوزير، إذا أردت أن تقنع نفسك بأن الجزائر بخير، فهذا شأنك لكن أرجوك لا تكذب علينا.
جميعنا يعرف أن
أموالا كبيرة تصرف في غير وجهتها الحقيقية، وحتى وإن
أخذت وجهتها فهي تصرف ناقصة. أردتم معالجة ما تسمونه بظاهرة “الحرقة”،
إنه لأمر جميل، لكن قمتم بذلك عبر ندوة أو مؤتمر وطني، دام يومان. وطني، يعني حضره
مشاركون من مختلف مناطق الوطن جاؤوا في إطار مهمة عمل بتكفل تام إيواء ونقلا وأكلا
وشربا “يا للكرم”. لا أعرف قيمة أو تكلفة اليومان لكن ما أعرفه جيدا أنه
كان بالإمكان مساعدة بها على الأقل 5 شبان أو أرباب أسر بمشاريع مصغرة لإنقاذهم من
الفقر والسعي لعبور البحار لإعالة أسرهم.
قوانين وتوصيات وغيرها من الاجتماعات واللقاءات على مر السنين تصرف عليها أموالا كبيرة هباء، فقط من أجل التظاهر بسعي الحكومة إلى محاربة الظاهرة وبحث أسبابها. لكن الحكومة تعلم جيدا أسبابها وتعرف كيف تعالجها، لكنها تتظاهر فقط، فلا تكذب علينا سيدي الوزير.