أيا (كورونا) أتحدَّاك… مُهداة إلى عمَّال النظافة الأبطال… (أرجو منك أخي، أختي… أن تنوي مبلغا ماليا، تتبرع به لعمال النظافة غدا في حيك، بعد تمام قراءة المقال… تقبل الله منكم، وعافاكم من كل بلاء)
كتبتُ هذه الكلمات في جوف الليل، وقد كنتُ أغطُّ – مثل غيري من بني البشر – في نومٍ عميقٍ؛ ثم أيقظني صوت محرّكٍ لشاحنة في الشارع، كانت تُغازل الزمان مِن عمارة إلى عمارة، وتغزِل المكان من زُقاق لزقاق؛ ومِن حولها رجالٌ وأيُّ رجال… رجالٌ من طينة الملائكة ربـَّما، أو لعلَّ الملائكة ساعة السحَر هذه، ترافِقهم لتبارك خطواتكم، وتقف إلى جوارهم لتمدَّهم بأنفاس من الجنَّة خفيفةٍ…
الكلُّ في بلدي بين خوفٍ ورجاءٍ، بين ألـمٍ وأملٍ، بين حقيقةٍ ووهمٍ؛ يتقدَّم تارةً ويتأخَّر تارة، يقدّم رِجلا ويؤخّر أخرى؛ إلاَّ هؤلاء الأبطال الكرام، فِداهم أمّي وأبي… كلُّهم ثقةٌ لا يتردَّدون، دَوما يتقدَّمون ولا يتأخَّرون، أبدا يقدّمون ولا يؤخّرون…
هم لم يعتادوا على كثرة الحسابات، ولا على عدِّ المصالح، شأن خِفاف العقول من الناس؛
وهم لم يخرجوا في هذا الوقت العصيب ابتغاء مكاسب، أو تصيدا لمناصب…
إنـَّما ملئوا الشوارع، ببدلاتهم الخضراءَ، على وجوههم الرضية كمَّامات زرقاءُ، وعلى أيديهم السخية قفَّازات شهباء؛ وفي أرجلهم “صبابيط جلدية خشنة صفراء “…
من مزبلة إلى مزبلة،
من قمامة إلى قمامة،
من ركن شارع إلى ركن شارع،
من حديقة إلى حديقة…
يحملون بيدٍ كيسًا أسود متقطّع، وبأخرى قارورة مشروب مرميَّة في غير مرماها، أو علبة دخان هشَّمتها الأرجل…
ولا يعنيهم أن تكون أيها الشيطان المارد (كورونا) هنا أو لا تكون؛
فإنك إن تكن قد زرعت الرعب في أفئدة العالـَمين، حتى دخل رؤساء دولٍ حَجرهم الصحي، واختفى جنرالات وأرباب أموال في بيوتهم خوفا منك وذعرا…
غير أنك (يا كورونا) لن تخيف هؤلاء الحواريين الربانيين؛
ولن ترهبَ إخوةً لهم ما بين ممرات المستشفيات يسَّارعون، أطباء وممرضين؛
ولن تفزع إخوة لهم آخَرين في الطرقات، وفي مخارج المدن والقرى، وعلى الحدود، وفي كل مكان يزرعون النظام، وينظّمون فوضى الناس، شرطةً، أو دركًا، أو جيشًا…
ثم إنك (يا كورونا) لن تهزمَ كلَّ “فاعل خيرٍ” بلا مقابلٍ، يبغي به وجه الله ولا يبالي؛ وهو يطوي الساعات الصعبة بعقلٍ عاقلٍ، ويكسر الأوقات الوعرة بقلبٍ وجلٍ مـُخبت… ومن هؤلاء علماءُ ومعلّمون، أيمة وأعلاميون، تجار وصناعيون…
أيا (كورونا)، أتحداك بقلوب هؤلاء وهي تنبض بالحياة،
أيا (كورونا)، أجعل بيني وبينك حاجزا من إيمان يهشمك قريبا، فيحطم غرورك، ويبعدك عنا إلى الأبد…
أيا (كورونا)، أنهي قصَّتك بدعاء هؤلاء لله الواحد القهار؛ معزَّزا بدعاء “شيوخ ركَّع، وصبية رضَّع، وبهائم رتَّع”…
قريبا بحول الله تعالى تعود الأسودُ إلى عرينها…
قريبا يلتقي الأحبة على صعيدٍ واحد، ولقد بعدت بينهم الشقَّة، وطال الشوق وامتدَّ الحنينُ فيما بينهم؛ حتى صار الهاتف بديلا عن الجوار، وأمسى التذكار بديلا عن اللقيا في الديار…
قريبا… قريبا… قريبا…
“ويومئذ يفرح المومنون بنصر الله”…
“ألا إنَّ نصر الله قريب”…